إشكالية المحور : هل الحرية تتعارض مع الحتمية ؟أم أن الوعي بالحتمية هو أساس الحرية؟
أطروحة كانط Emmanuel Kant :
في كتابه نقد العقل الخالص تصدى كانط لمسألة ما إذا كان الإنسان خاضعا للضرورة أم انه يتمتع بحرية حقيقية و قد وصف هذه المفارقة ب "تناقض العقل الخالص "لان العقل الخالص يمكنه أن يقر كلا الأطروحتين ولكنه لكن ليس في مقدوره أن يبين أيهما أفضل ،لان مثل هذا المشكل يتجاوز قدرات العقل الخالص ، لذلك لجأ كانط إلى التمييز بين الظواهر أو الفينومنات phénomène و بين النومينات noumènes ، فخلص إلى أن الضرورة تحكم الفينومينات ،وهذا ما يفسر تطور العلم الذي يسند إلى الحتمية ، أما الإنسان ففي مستوى النومين نجد الحرية العملية : أي استقلالية الإرادة الإنسانية عن كل القوانين عدا القانون الأخلاقي ، ومن ثم فالبعد الأخلاقي في الحرية هو بعد أساسي ، و الاستقلالية و الحرية التي تصنع قيمة الإنسان تتمثل في إتباع الإرادة العاقلة التي لا تطيع سوى قانونها الخاص .
أطروحة عبد الله العروي :
يرى العروي أن انبعاث الحديث عن إشكالية الحرية و الحتمية راجع إلى التطور الذي شهده و يشهده العلم في الآونة الأخيرة ، فبعد أن كان مرد النقاش حول تلك الإشكالية نابع في القرون الوسطى من محاولة التوفيق بين اختيار الإنسان و القدر الإلهي ، أصبح ألان الدافع الأكبر هو التخوف من آليات التحكم الجديدة ووسائل المراقبة الحديثة التي وفرها التقدم العلمي و التقني ،التي جعلت حرية الإنسان الشخصية و الجماعية في خطر ،و إذا كان الإنسان قد اعتقد سابقا أن العلم أداة لتحريره من سلطان الطبيعة فقد غدا الاعتقاد ألان يكبر شيئا فشيئا: في أن التقدم العلمي و التطور التقني قد يجعل الإنسان يرزح تحت قيود التحكم الجديد.