من بين المواد المعرفية الأكثر تعرضا للتشويه و التضييق و الدعاية الفجة :مادة الفلسفة .. لا نريد سرد الحجج الواهية التي يستند عليها الرافضون و المدعون ،و لكن سنبرز ما نعتبره أهم الأسباب لهذه الحملات التي لا تسند إلى منطق أو عقل أو حق:
1. أهم قيمة تستند إليها الفلسفة هي الحرية :حرية التفكير دون قيد أو شرط إلا شرط الحجة و الدليل و البرهان ،لكن مختلف السلط السائدة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية أو اجتماعية ...تخاف من الحرية لأنها تهدد مصالحها و هيمنتها و تضعها موضع مساءلة و نقد كما بين الحكيم "كانط"
2. الفلسفة لغة عالمية،و لا يوجد فيلسوف حقيقي يكتب لوطنه أو طائفته أو لغته أو قبيلته ،و إنما يخاطب العالم بلغة يفهمها و يقدرها الجميع إلا من أبى :إنها لغة العقل ، و رغم الانتقادات التي توجه إلى العقل إلا أن البدائل التي تطرح لتحل محله كلها تدعم نوعا من أنواع التسلط ،و شكلا من أشكال الهيمنة سواء كانت واعية بذلك أم لا . و المفارقة أيضا أن أولئك الذين ينتقدون العقل يستعملون العقل ذاته لذلك.
3. الإبداع في الفلسفة كما الإبداع في باقي العلوم و الآداب الإنسانية يقتضي الحرية و الحرية تقتضي جوا ديمقراطيا سياسة و ثقافة ،لذلك فأعداء الديمقراطية بديهيا سيكون أعداء للفلسفة،و الديمقراطية كفعل بشري مفتوح على كثير من الأخطاء و الأمراض لكن ما البديل ؟ كل البدائل سيئاتها أكبر من حسناتها ،و التاريخ أكبر شاهد و دليل على ذلك ، و من الأيديولوجيين من يريدنا أن ننسى التاريخ و ننظر إليهم و كأنهم طفرة جديدة كليا .لكن سرعان ما تبرز فيهم مختلف أمراض التاريخ :من تسلط و رغبة في الهيمنة غير المشروعة و حب للرئاسة و تحقير البشر باسم الحقيقة المقدسة و المطلقة .
4. الفلسفة عدو الجهل و الجهلاء :و الجهل و الأمية وسيلة للتحكم و الحكم عند مختلف الأنظمة الاستبدادية ،لذلك فكل الراغبين في تجييش الأتباع وخلق البشر القطيع معتمدين على جهل الناس و أميتهم يحاربون دون هوادة الفلسفة لأنها تحرر الإنسان و تنوره و تدفعه إلى مغامرة العقل بدل الركون إلى شهوة الإتباع و حاجة الانتماء إلى الجماعة القطيع التي تمنح أصحابها منافع و راحة نفسية و داخلية هي أشبه بالمخدرات الجماعية ،لكن تسلبهم القيمة الإنسانية و التفرد الشخصي و التمايز المبدع .
لكل هذا و غيره نحن نرى أن من أكبر الجرائم التعليمية التي ترتكب في حق الناشئة هي حرمانهم من دراسة الفلسفة لأنها حقيقة وواقعا صمام أمان ضد الجهل و التبعية و التطرف و الميوعة و الفراغ الفكري و النفسي.
لكل هذا و غيره نحن نرى أن من أكبر الجرائم التعليمية التي ترتكب في حق الناشئة هي حرمانهم من دراسة الفلسفة لأنها حقيقة وواقعا صمام أمان ضد الجهل و التبعية و التطرف و الميوعة و الفراغ الفكري و النفسي.