يدخل مفهوم الغير ضمن مجال العلاقات البشرية بأبعادها الوجودية و النفسية الوجدانية و المعرفية الفكرية, الأمر الذي يجعل من دراسة هذا المفهوم فرصة للتأمل في ذواتنا، و في علاقاتنا مع الآخرين سواء أكانوا أقرباء أو غرباء, ومناسبة لفهمهم و الشعور بالحاجة إلى التعاون و التواصل معهم بغية الوصول إلى ما يجمعنا بهم بدل التركيز على ما يفرقنا و يعمق الهوة و يخلق مشاعر التوجس وعدم التفاهم فيما بيننا .
إن طبيعة إدراكنا لهذا الغير و علاقته بالأنا هي التي تحدد شكل التعامل معه, فإذا نظرنا إليه على انه الأنا المماثل و المطابق كان تعاملنا معه ايجابيا: ( صداقة, حب, تعاون, تسامح...) أما إذا نظرنا إليه على انه تلك الأنا المخلفة والمغايرة فان تعاملنا يكون سلبيا:( كراهية, إقصاء, استغلال, تسلط....)
الوضعية المسالة
من خلال الوضعية المسالة الواردة في الكتاب المدرسي نستشف ما يلي:
الغير هو الشبيه و المخالف , من نحبه ومن ندخل معه في صراع و تنافس , انه الأنا الذي ليس أنا ,هو إذن ذات أخرى و وعي أخر
تعريف الغير
لابد من الإشارة بادئ ذي بدء أن إشكالية الغير لم تتبلور بشكل عميق إلا في وقت متأخر من تاريخ الفلسفة ، كما ينبغي التنبيه إلى ضرورة إقامة فصل مفاهيمي بين الغير l'autrui و الأخر l'autre فكل غبر فهو أخر, و العكس غير صحيح. فالأخر يمكن أن يكون إنسانا أو حيوانا أو جمادا...بينما الغير فهو دائما إنسان.
التعريف الفلسفي للغير:
يتحدد هنا المعنى في الدلالة الفلسفية بشكل أكثر تعمقا, فالغير بعبارة موجزة: ""الغير هو الأخر, ألانا الذي ليس أنا"
( سارتر, الوجود والعدم), في مقابل ذلك يدل الأخر على مفهوم غير قابل للتعريف لأنه احد المفاهيم الأساسية و الأولى للفكر.
( معجم لالاند) فلا يتحدد مفهومه إلا بوصفه " مقابلا للهو هو le même بحيث إن كل شيء هو بالنسبة إلى كل شيء إما مطابق وإما مخالف"( أرسطو الميتافيزيقا. مقالة الياء...).
المفارقات التي يطرحها مفهوم الغير
الغير بمعنى الشبيه : حينما نقول الشبيه فهو اعتراف بهوية الغير و بذاته أي أن نؤكد قربه وقرابته مع كل المشاعر التي تحملها صفة القرابة أي التكافل و التآزر و التعاطف و المشاركة الوجدانية.
الغير بمعنى القريب: وحينما نقول القريب فهو تأكيد لصفة القرب منا مما يوجب علينا الاهتمام بالغير و التعامل معه وفق كل القيم الأخلاقية التي توجبها القرابة.
الغير بمعنى المنافس: لكن الغير يستحث فينا المنافسة و يجعلنا نتعرف على دواتنا ويخلق فينا السعي إلى الرغبة في اعترافه بنا و مكانتنا.
ادن فالأسئلة التي يطرحها مفهوم الغير عديدة لكن سنكتفي بمقاربته من ثلاث أبعاد:
-البعد الانطولوجي : هل يمكن ألانا أن تستغني عن الغير و تعيش في عزلة تامة أم أن وجود ألانا ضروري وحتمي لوجودها ؟ وإذا كان الأمر كذلك: ففيما تتمثل هذه الضرورة ؟ إذا كان وجود ألانا الغير ضروريا لوجود ألانا و لوعيه بذاته فما طبيعة العلاقة بينهما؟
-البعد المعرفي: المعرفي هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ و كيف تتحقق هل بالنظر إليه كذات أم باعتباره موضوعا؟
البعد الوجداني: هل هناك إمكانية للتواصل العاطفي مع الغير و بمعنى أخر هل يمكن قيام علاقة مع الغير خالية من التشييىء و الاستلاب و العنف؟ و ماهي شروط هذه الإمكانية؟
البعد الوجداني: هل هناك إمكانية للتواصل العاطفي مع الغير و بمعنى أخر هل يمكن قيام علاقة مع الغير خالية من التشييىء و الاستلاب و العنف؟ و ماهي شروط هذه الإمكانية؟