تقديم
إن المعرفة هي سيرورة إنسانية تبنى عبر جهود كل البشر و كل الحضارات وهي تعرف لحظات تقدم و لحظات تراجع ، و يعتريها النجاح تارة و تصاب بالجمود مرة أخرى ، لكن يظل توق الإنسان إليها لا يفتر و لا يخمد و إذا انطفأت جذوتها في مكان ، تشتعل في مكان أخر من الدنيا ،و ذلك درس التاريخ.
في العصر الحديث ساد نوع من الغرور العلمي خصوصا بعد بزوغ نجم نيوتن حيث تراءى للبعض أن قوانينه ذات عمومية مطلقة ، و انه اكتشاف لحقيقة الكون ،فكانت ثورة الكوانتم على يد العالم الكبير ماكس بلانك(1858-1947) التي حررت العلم من وهم التحديد الفردي اليقيني و استبدلته بالإحصاء بنتائجه الاحتمالية ، ثم جاءت النظرية النسبية على يد انشتاين (1879-1955) و التي أطاحت بمفهوم الثبات في الكون : فليس في الكون جسم في حالة سكون مطلق و الكون كله في حركة دائبة و ، كما حطمت الانفصال التقليدي بين مفهومي الزمان و المكان ،و أضافت بعد الزمن إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة (الطول و العرض و الارتفاع)، و أدخلت الذات العارفة كمتغير في معادلة الطبيعة.
ولحقت ثورة الرياضيات بثورة الفيزياء حيث ظهرت إلى جانب هندسة اقليدس التي هيمنت للعصور: هندسة ريمان بسطحها المحدب ، و هندسة لوباتشيفسكي بسطحها المقعر، و أنها كلها صحيحة ما دمت متسقة مع البديهيات أو المقدمات التي بدأت منها ، لكن انشتاين اثبت القصور في محاولة تطبيق الهندسة الاقليدية على العالم ، و أن هندسة ريمان هي الهندسة الفيزيائية والصالحة لفهم الكون .
إضافة إلى هذه الثورات شهد ت البيولوجيا و المنطق و مختلف فروع العلم الأخرى ثورات مشابهة ، و كان لهذا كله اثر على تصورنا للعلم ، كما غير من العلاقة بين التجربة و النظرية ، إذن فما أوجه هذا التغير و ما انعكاسات ذلك على فهمنا للتجربة و من ورائها الواقع وفهمنا للنظرية ومن ورائها العقل ؟
تعريف النظرية
حسب المعنى المألوف هي معرفة أو أفكار تأملية خالصة متحررة من التجربة الحسية و الممارسة و في بعض الأحيان معارضة لها
في الفلسفة. النظرية هي نسق متماسك من الأطروحات و المفاهيم حول موضوع ما مثال دلك نظرية المثل عند أفلاطون
في الابستمولوجيا .
1-النظرية العلمية هي" نسق من القضايا الرياضية المستنبطة من عدد قليل من المبادئ غايتها أن تمثل تماما و ببساطة و بصورة صحيحة ما أمكن دلك مجموعة من القوانين التجريبية" تعريف بيير دوهيم
2-"إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ" لالاند
